فصل: مطلب في المثل الذي ضربه الله تعالى لنساء الأنبياء وقصة آسية زوجة فرعون ومريم ابنة عمران:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب استئناس عمر رضي الله عنه مع حضرة الرّسول وما قاله أبو رواحة إلى زوجته حتى تخلص مما اتهمته به:

روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال لم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين في أزواج النّبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله عز وجل فيهما إن تتوبا إلى الله فقد إلخ حتى حج عمر وحججت معه، فلما كان بعض الطّريق عدل وعدلت معه بالأدواه الرّكوة التي فيها ماء، والعدول هو الميل إلى جانب الطّريق الملوك والبراز محل قضاء الحاجة، فتبرز ثم اتاني، فصببت على يديه فتوضأ فقلت يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النّبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله فيهم {إن تتوبا} إلخ؟
قال عمر ووا عجبا لك يا ابن عباس قال الزهري كوه منه ما سأله عنه ولم يكتمه، قال هما عائشة وحفصة، ثم أخذ بسوق الحديث قال كنا معشر قريش قوما نغلب نساءنا، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، قال وكان منزلي في بني أمية بن زيد بالعوالي (هي أماكن بأعلى أراضي المدينة جمع عالية) فغضبت يوما على امرأتي فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني فقالت ما تنكر أن أراجعك، فو الله ان أزواج النّبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، فانطلقت فدخلت على حفصة، قلت أتراجعن رسول الله، فقالت نعم، فقلت أتهجره إحداكن اليوم إلى الليل، قالت نعم قلت لقد خابت من فعلت ذلك منكن وخسرت أفتأمنّ إحداكن أن تغضب الله عليها لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت رسول الله ولا تسأليه شيئا وسلي ما بدا لك، ولا يغرنك إن كانت جارتك هي أو سم (أكثر حسنا وجمالا) وأحب إلى رسول الله منك (يريد عائشة)، وكان لي جار من الأنصار، فكنا نتناوب النّزول إلى رسول الله فينزل يوما فيأتيني بخبر الوحي، وأنزل يوما وآتيه بمثل ذلك، وكنا نتحدث ان غسان تبعث الخيل لتغزونا، فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته ثم أتاني عشاء فضرب بابي ثم ناداني، فخرجت إليه، فقال حدث أمر عظيم، قلت ماذا حدث أجاءت غسان؟ قال بل أعظم منه وأهول طلق رسول الله نسائه، قلت قد خابت حفصة وخسرت، قد كنت أظن هذا يوشك أن يكون، حتى إذا صليت الصّبح شددت علي ثيابي ثم نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي فقلت أطلقكن رسول الله؟ قالت لا أدري ها هو ذا معتزل في هذه المشربة (الغرفة والعلية ولها معان ليست مرادا هنا) فأتيت غلاما له أسود، فقلت استأذن لعمر، فدخل ثم خرج، فقال قد ذكرتك له فصمت، فانطلقت حتى أتيت المشربة، فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم، فجلست قليلا، ثم غلبني ما أجد فأتيت الغلام، فقلت استأذن لعمر، فدخل ثم خرج فقال ذكرتك له فصمت، فوليت مدبرا، فإذا الغلام يدعوني فقال أدخل فقد أذن لك، فدخلت فسلمت على رسول الله، فإذا هو متكئ على رمال حصير (أي حصير مضفور، من رملت الحصير إذا ضفرته أي ليس له وطاء غيره) قد أثر في جنبه، فقلت أطلقت يا رسول الله نساءك؟ فرفع رأسه إلى فقال «لا»، فقلت الله أكبر لو رأيتنا يا رسول الله قد كنا معشر قريش نغلب النّساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، فغضبت على امرأتي يوما فإذا هي تراجعني فأنكرت إذا راجعتني، فقالت ما تنكر أن أراجعك، فوالله إن أزواج النّبي يراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، فقلت قد خاب من فعل ذلك منهن وخسر أفتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت، فتبسم صلى الله عليه وسلم، ثم قال عمر فدخلت على حفصة فقلت لا يغرنك أن جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله منك، فتبسم أخرى، فقلت استأنس يا رسول الله؟ قال «نعم»، فجلست فرفعت رأسي في البيت، فوالله ما رأيت فيه ما يرد البصر إلّا أهبة (جمع أهاب وهو الجلد) ثلاثة، فقلت يا رسول الله ادع الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والرّوم وهم لا يعبدون الله فاستوى جالسا ثم قال «أفي شك أنت يا ابن الخطاب، أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدّنيا»، فقلت استغفر لي يا رسول الله وكان أقسم لأن لا يدخل عليهن شهرا من أجل ذلك الحديث الذي أفشته حفصة لعائشة من شدة موجدته أي غضبه الشّديد عليهن حتى عاتبه الله، قال الزهري فأخبرني عروة عن عائشة قالت لما مضت تسع وعشرون دخل علي رسول الله بدأ بي، فقلت يا رسول الله إنك أقسمت أن لا تدخل شهرا وإنك دخلت في تسع وعشرين ليلة أعدهن، قال إن الشّهر يكون تسعا وعشرين، وفي رواية قلت يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكال وأنا وأبو بكر والمؤمنون، فنزلت هذه الآية.
هذا ويعلم من قوله تعالى: {إذ أسرّ} إلخ جواز أسرار بعض شأن الرّجل لزوجته أو صديقه ممن يأتمنه ويعتمد عليه، ويلزم ذلك المسر اليه الكتمان.
وتشير هذه الآية إلى لزوم حسن معاشرة الزوجة والتلطف بعتابها عند تقصيرها، ونؤمى أيضا إلى الإعراض عن زلتها.
روي أن عبد الله بن رواحة أحد النّقباء كانت له جارية فاتهمته زوجته أنه واقعها حيث رأته معها فأنكر عليها ذلك تعريضا، فقالت له إن كنت صادقا فاقرأ القرآن فأنشد:
شهدت فلم أكذب بأن محمدا ** رسول الذي فوق السّموات من على

وان أبا يحيى ويحيى كلاهما ** له عمل في دينه متقبل

وان التي بالجزع من بطن نخلة ** ومن دانها كلّ عن الخير معزل

قالت زدني، فأنشد:
وفينا رسول الله نتلو كتابه ** كما لاح معروف من الصّبح ساطع

أتى بالهدى بعد العمى فنفوسنا ** به موقنات إن ما قال واقع

يبيت يجافي جنبه عن فراشه ** إذا رقدت بالكافرين المضاجع

فقالت زدني أيضا، فأنشد:
علمت أن وعد الله حق ** وان النّار مثوى الكافرينا

وان محمدا يدعو بحق ** وان الله مولى المؤمنينا

وان العرش فوق الماء طاف ** وفوق العرش رب العالمينا

وتحمله ملائكة كرام ** ملائكة الله مسوّمينا

فقالت أما وقد قرأت اكثر من ثلاث آيات من القرآن فقد صدقت وصدق الله وكذب بصري.
وهذا من كمال يقينها رحمها الله ورحم زوجها، وذهب بالحال وأخبر رسول الله بذلك كله فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال «خيركم خيركم لنسائه».
قال تعالى: {يا أيُّها الّذِين آمنُوا قُوا أنْفُسكُمْ وأهْلِيكُمْ} بأن تنهوهم عما نهى الله عنه وتأمروهم بما أمر به وتعلموهم ما ينفعهم ويضرهم من أمر الدّين وما لهم وما عليهم من الحقوق لله ولخلقه وخاصة أزواجكم لأنكم مسؤولون عنهم ومكلفون بتعليمهم وبذلك تخلصون من أن تصلوا {نارا وقُودُها النّاسُ والْحِجارةُ} وهذه نار مخصوصة لا تتقد إلّا بالناس والحجارة بان يكونا كبريتا لها، تتقد به والعياذ بالله وتقدم مثل هذه الجملة في الآية 34 من سورة البقرة {عليْها ملائِكةٌ غِلاظٌ شِدادٌ} لم يخلق الله رحمة في قلوبهم ولا شفقة ولا لطفا ولا رأفة وهم شديدوا الانقياد لأوامر الله تعالى {لا يعْصُون الله ما أمرهُمْ ويفْعلُون ما يُؤْمرُون} (6) به في أعداء الله من انواع العذاب، ولم يتأثروا مما يفعلونه في المعذبين، لأن الله لم يخلق فيهم حنانا على أحد، ولم يتريثوا في إنفاذ أمره بل يوقعونه حالا كلمح البصر أو أقرب.
قال تعالى: {يا أيُّها الّذِين كفرُوا} اخرسوا لا تنبسوا بينة شفة فقد انقطعت المحاججة و{لا تعْتذِرُوا الْيوْم} حيث تقدم لكم الإنذار والإعذار في الدّنيا فلا محل له في الآخرة {إِنّما تُجْزوْن ما كُنْتُمْ تعْملُون} (7) في الدّنيا من الخبائث في هذا اليوم الذي وعدتم به، الذي لا يقبل فيه عذر البتة، واعلم أنه لا يوجد في القرآن مثل صدر هذه الآية قطعا، وهذا من لطفه تعالى، إذ كان نداؤه {يا أيها النّاس}، {يا أيها الّذين آمنوا} {يا بني آدم}، {يا أهل الكتاب}، بما يشم منه عدم دخول الغير في هذا الخطاب، ولذلك خصصه بالكافرين وله الحمد، ومن عطفه أيضا على المؤمنين أنه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعاملنا باللطف، إذ قال: {ادْعُ إِلى سبِيلِ ربِّك بِالْحِكْمةِ والْموْعِظةِ الْحسنةِ} راجع آخر سورة النّحل {يا أيُّها الّذِين آمنُوا تُوبُوا إِلى الله} في هذه الدّنيا من جميع السّيئات {توْبة نصُوحا} صادقة خالصة لا عودة فيها إلى الذنب قبل حلول آجالكم، راجع بحث التوبة في الآية 36 من سورة الشّورى فإذا أتيتم توبة محضة {عسى ربُّكُمْ أنْ يُكفِّر عنْكُمْ سيِّئاتِكُمْ} بها.
واعلم أن عسى هنا وفي كلّ موضع من القرآن تفيد التحقيق كما سيأتي في الآية 103 من سورة التوبة الآتية {ويُدْخِلكُمْ جنّاتٍ تجْرِي مِنْ تحْتِها الْأنْهارُ يوْم لا يُخْزِي الله النّبِيّ والّذِين آمنُوا معهُ} بل مكرمهم بكرامته راجع الآية 192 من آل عمران المارة، وحين يمشون على الصراط يوم القيامة يكون {نُورُهُمْ يسْعى بيْن أيْدِيهِمْ} أمامهم {وبِأيْمانِهِمْ} من جوانبهم واستغنى بذكر اليمين عن الشّمال اكتفاء به، وإلا فالنور محيط بهم من جميع جوانبهم من الجهات السّت، وإذا رأوا نور المنافقين انطفا، إذ يكون لهم نور كما للمؤمنين بأول الأمر، ثم يسلب منهم زيادة في حسرتهم وأسفهم {يقولون ربّنا أتْمم لنا نُورنا} اجعله مصاحبا لنا دائما مثل إخواننا المؤمنين الكاملين الّذين هم مع الأنبياء والشّهداء {واغْفِرْ لنا} ما سلف منا {إِنّك على كُلِّ شيْءٍ قدِيرٌ} (8) فيجيب الله دعاءهم، ويبقي المنافقين في الظّلمة المستمرة، أجارنا الله منها، لأن إيمانهم كان صوريا، فيلقون عقابه من جنسه، إذ يريهم النّور ويدخلهم في الظّلمة كما كانوا يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، راجع الآيتين 12 و13 من سورة الحديد المارة قال تعالى: {يا أيُّها النّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّار والْمُنافِقِين واغْلُظْ عليْهِمْ} بالقول فهم مخزيّون في هذه الدّنيا {ومأْواهُمْ} في الآخرة {جهنّمُ وبِئْس الْمصِيرُ} (9) هي لأهلها.

.مطلب في المثل الذي ضربه الله تعالى لنساء الأنبياء وقصة آسية زوجة فرعون ومريم ابنة عمران:

قال تعالى: {ضرب الله مثلا للذِين كفرُوا امْرأت نُوحٍ} وأهله الكافرة راجع الآية 97 من سورة هود لتقف على السّبب الذي غمسها في النّار، وامرأة لوط وأهله الكافرة أيضا، راجع ما وقع منها في الآية 77 من سورة هود أيضا {كانتا تحْت عبْديْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحيْنِ} نبيّين كريمين خليلين {فخانتاهُما} بالكفر بدينهما والتجسس عليهما وإخبار قومهما بمن يؤمن بهما ومن يأتي إليهما وتحريض قومهما لا بالبغي وحاشاهما منه.
قال ابن عباس ما بغت امرة نبي قط.
لأن البغي يقدح فيهم ويمس جانبهم العالي النّزيه المبرأ من كل عيب، المنزه من كلّ ما به وصمة مطلقا، {فلمْ يُغْنِيا عنْهُما مِن الله شيْئا} اي لم ينجياهما من عذاب الله مع كونهما محترمين عنده لوجود الحائل وهو الكفر {وقِيل} لهما يوم القيامة {ادْخُلا النّار مع الدّاخِلِين} (10) فيها، لأن محبة الكافر للمسلم مع بقائه على كفره لا تنفعه عند الله، وكذلك حجة المعاصي، قال تعالى: {الْأخِلّاءُ يوْمئِذٍ بعْضُهُمْ لِبعْضٍ عدُوٌّ إِلّا الْمُتّقِين} الآية 67 من سورة الزخرف ج 2، راجع تفسير الآية هذه ففيه بحث نفيس لا غنى لك عنه.
وإذا كان كذلك فكيف تنفع حجة الكفرة لأوثانهم التي هي نفسها عاجزة محتاجة إلى من يحرسها؟ وقدمنا ما يتعلق في هذا البحث أيضا في الآية 31 من سورة ابراهيم فراجعه.
قال تعالى: {وضرب الله مثلا للذِين آمنُوا امْرأت فِرْعوْن} المؤمنة آسية بنت مزاحم التي كانت مصاحبة لزوجها المتناهي في الكفر {إِذْ قالتْ} حينما عذبها على إيمانها بموسى وأرادها على الكفر ولم تفعل {ربِّ ابْنِ لِي عِنْدك بيْتا فِي الْجنّةِ} لأني تركت بيت فرعون وجنته في الدّنيا من أجلك رغبة بما عندك في الآخرة {ونجِّنِي مِنْ فِرْعوْن وعملِهِ} الخبيث الذي أرادني عليه {ونجِّنِي مِن الْقوْمِ الظّالِمِين} الّذين وكلهم فرعون بعذابي وصبرت حتى ماتت على إيمانها ولم يثنها عنه تعذيب المعذبين، رحمها الله رحمة واسعة، ولا شك أن الله أجاب دعاءها بفضله وكرمه.
وقد بين الله في هذين المثلين أن وصلة الكافر للمؤمن لا تضره ولا تنفع الكافر مادام على كفره كما أن وصلة المؤمن للكافر لا تنفعه ولا تضر المؤمن إذا لم يمل إليه ويواليه راجع آخر سورة الممتحنة المارة ومن هذا القبيل وصلة السّيدة مريم عليها السّلام وما أوتيت من الكرامة مع قومها الكافرين فلا تنفعهم ولا يضرونها.
قال تعالى في براعتها مما وصمها به قومها {ومرْيم ابْنت عِمْران الّتِي أحْصنتْ فرْجها} وتمتعت بالعفة في حياتها الدّنيوية كلها {فنفخْنا فِيهِ} بواسطة الأمين جبريل عليه السلام من جيب درعها نفخة {مِنْ رُوحِنا} التي خلقناها في الأزل لحياة ابنها عيسى عليه السلام راجع الآية 92 من سورة الأنبياء ج 2 لنقف على كيفية النّفخ هذا وقد أضاف الله تعالى الرّوح اليه إضافة تشريف، لأنه هو الذي خلقها وأبقاها عنده للوقت المقدر لبعث ابنها لأنها له، كما يقال بيت الله وهو لخلقه، وناقة الله وهي لقوم صالح عليه السلام، وقد جرت عليها السّلام على أذى قومها ووصمهم لها وهي براء {وصدّقتْ بِكلِماتِ ربِّها} التي بشرها بها جبريل عليه السلام بما لها عند الله من الكرامة، وبإيجاد عيسى منها من غير أب، وبهذا المعنى أطلق عليه كلمة الله، لأنه خلق بلفظ كن، وهي كلمة الله التي أوجد فيها جميع الخلق النّامي منه والجامد {وكُتُبِهِ} المنزلة على أنبيائه، صدقت بها أيضا، ومنها إنجيل ابنها الذي تلقاه عن ربه {وكانتْ مِن الْقانِتِين} (12) لله تعالى وهي من نسل القانتين، لأن رهطها وعشيرتها من بيت الصّلاح والنّبوة، ولما كان القنوت صفة تشمل كلّ من يقنت ذكرا كان أو أنثى غلب في الذكور هنا، فيدخل فيه القانتات واعلم أن في هذين المثلين تعريضا بأمّي المؤمنين حفصة وعائشة رضي الله عنهما على ما فرط منهما في تواطئهما على ما يغيظ حضرة الرّسول صلى الله عليه وسلم، وتحذير لهما من العود إلى مثله، واعلاما لهما بأنهما إذا لم يخلصا له كاخلاص آسية ومريم إلى الله تعالى لم ينتفعا من صحبته في الآخرة، وأن لا يتكلا على كونهما زوجتين له لان الزوجية لا تكفي للخلاص من عذاب الله كما هي الحالة في زوجني نوح ولوط لأنهما خلدتا في النّار لعدم نصحهما لزوجيهما وعدم إيمانهما بهما، وإذا أردت أن تقف على حقيقة الصّحبة ومنافعها ومضارها راجع ما ألمعنا اليه في الآية 10 المارة.
أخرج الترمذي عن أنس بن مالك قال قال صلى الله عليه وسلم «حسبك من نساء المسلمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية بنت مزاحم».
وتقدمت قصة ما شطتها مع فرعون بالآية 10 من سورة الفجر، وأما قصتها هي ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أنها كانت من أجمل نساء زمانها، وقد قصتها هي مارواه ابن عباس رضي الله عنهما أنها كانت من أجمل نساء زمانها، وقد غاظها فرعون بما فعل بماشطتها المار ذكرها وقصتها، وقد عيل صبرها من هول ما رأت من الفظاعة التي أجرتها عليها شرطة فرعون بأمره فجلست تفكر ماذا تفعل معه وهي بعصمته، فدخل عليها وهي على تلك الحالة، فقال لها ما بالك؟
قالت له بالي إنك شر الخلق، فقال لها هل الجنون الذي كان في الماشطة أصابك؟
قالت ما بي من جنون ولا بها، وإن الرّب الذي لي ولها ولمن في السّموات والأرض هو الله الواحد الذي لا شريك له ولا رب غيره ولا يستحق العبادة إلا هو، فبصق عليها وضربها وأخبر أبويها بذلك لينصحاها، فجاءا وقالا لها يا آسية ألست من خير نساء العالمين وزوجك إلههم؟ قالت أعوذ بالله أن يكون فرعون إلها إن الإله الحق واحد لا شريك له في ملكه، فإن كان ما يدعيه فرعون حقّا من الألوهية فليتوخ تاجا تكون الشّمس أمامه والقمر خاتمه والكواكب حوله، ولم يزالا بها يقنعانها ويهددانها وهى ثابتة على إيمانها بالله كافرة بفرعون مؤنّبة لمن يعده إلها، وصارت تصرح بذلك بعد أن كانت تسرّ به، فلما رأى الخبيث منها هذا الإصرار ورأى أن التهديد لم يجدها نفعا ولم يثنها عن عقيدتها وصارحته بالإيمان بالله والكفر به ودعته إلى الإيمان بالله، أخرج أبويها ومدها بين أربعة أوتاد وصار يعذبها بالضرب والكي بالنار إلى أن ماتت مصرة على إيمانها بالله وحده، كافرة بما سواه، رحمها الله رحمة واسعة.
هذا والله أعلم، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.
وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين. اهـ.